Thursday, August 30, 2007

إشارة مرور



......... صفير ...........
هو في الخامسة من عمره – اممم .. اكبر قليلا أو اصغر قليلا – يجلس على فخذي أمه ناظرا من شباك الباص المزدحم .
هي في الثالثة من عمرها – اكبر قليلا أو اصغر قليلا – ترتكز بركبتيها على المقعد الخلفي الوثير ناظرة من نافذة السيارة السوداء الفارهة .
نظرت إليه .. نظر إليها
لوحت له بيدها .. لكنه انشغل بمراقبة السحب البيضاء العالية .
......... صفير ...........
تحركت السيارة .. تحرك الباص
لازالت تنظر إليه .. مرة ثانية عاد ينظر إليها
أخرجت إليه لسانها .. لكنه – مرة أخرى – انشغل بمراقبة الأرض المتراجعة تحت عجلات الباص .
.............................................

- تمت –

أميرة مدهشة


هو البطن عما في داخله لا يبوح لكني لـ"لبنى" قلت:
"لو انه ولد سأسميه محمدا.. ولو انها بنت سأسميها هاجر".
و"لبنى" قالت لي:
"انت تريد ولدا ام بنتا؟".
قلت: - "هدايا الله كلها رائعة ".
وهي تحسست بطنها وقالت:
"أشعر انها بنت !!".
قلت 0- "هاجر !!" وضحكت.
***
انا على السرير مستلق وبين يدي الكتاب مفتوح. و"لبنى" جانبي تحيك فستانا صغيرا جدا.
وعلى المنضدة الراديو فيه ناس تتحدث. و"لبنى" عن الحياكة توقفت وتأوهت.. وبيدها قبضت على جنبها. انا تركت الكتاب ونظرت اليها.. ابتسمت وهي تقول: "والله بنت ".
قلت: "ولماذا انت متأكدة !!".
قالت 0 "البنت وديعة تكون حتى وهي في بطن امها.. بخفة تتحرك. اما الولد فانه شرس ويضرب بشدة ".
الراديو فيه ناس تتحدث. وانا ابحث عن الصفحة التي كنت اقرؤها قلت:
- "يا لبنى. عندما تأتي هاجر سأضع بين يديها هذا الاسد الواقف فوق المنضدة لتلعب به ".
"لبنى" انزعجت: "ستهشمه !!".
انا ضحكت وقلت: "هو هو هوى.. ما اروع ان تكون لي طفلة قادرة على تهشيم الاسد".
كانت "لبنى" قد حاكت ثلاثة فساتين صغيرة جدا وجميلة جدا.. وانا كنت قد اشتريت "توكة " شعر صغيرة جدا وجميلة جدا.. و"لبنى" في أحدى الليالي قالت:
"اريد سريرا صغيرا جدا لـ"هاجر".
قلت: أنا يا لبنى لا أملك نقودا لشراء سرير صغير جدا. قالت: وأين هاجر تنام.
قلت: "هنا" واشرت الى المسافة الصغيرة التي بين جسدينا. "لبنى" انزعجت:
"قد تستغرق في النوم فتنقلب عليها وتكتم انفاسها!!".
قلت: "اطمئني.. عندما تأتي هاجر لن ننام ابدا بعمق..
الاطفال الصغار جدا لا يكفون عن البكاء".
اللمبة "النيون " المعلقة في الحائط تهدل جسدها. والتجاعيد غطت وجهها. ونورها صار لا يكفي.. وبرد الشتاء يتسلل من شيش الشباك الى الغرفة ويعربد فيها. وانا و"لبنى" تحت الاغطية ملتصقان.. واصابعها مغروسة في شعري تقلبه. همست:
"ربما لا تأتي هاجر.. ربما اتى محمد!".
قلت: "سنضحك عيله ونجعله يرتدي فساتين هاجر".
قالت 0 "والتوكة !!". قلت: "خذيها انت"
قالت: "وستعطيه الاسد ليلعب به ويهشمه ؟!"
قلت: "محمد اعطيه نفسي ليلعب بها ويهشمها".
زمت شفتيها "لبنى" وقالت: "ومن تكون انت !!!".
يدي اليمنى دارت في الهواء تتحسس كرة ارض وهمية وقلت:
"انا ملك العالم ".
قالت: "مأ اروع ان يكون لي طفل قادر على ان يهشم ملك العالم"
***
بطنها صار ضخما جدا. وصارت تمشي تميل.. وغرب النهر الجبل ضخم جدا.. والنهر مياهه تجري. وانا ابحلق في مياهه، مياه النهر زرقاء، مياه النهر زرقاء وصافية، و"لبنى" دست يدها في يدي. وكعب حذائها العالي يطقطق لما يخبط بلاط رصيف الكورنيش.. والشمس ترمي النور الاصفر. النور الاصفر يقع على الناس والاشجار والبهائم والعمائر. آخر نور يتبقى في جعبة الشمس يكون اصفر. قالت:
"كعب الحذاء العالي يؤلم ظهري".
"لبنى" محتاجة لحذاء بدون كعب عال لترتاح وهي تمشي. وانا فقير جدا. و"لبنى" تعرف انني فقير جدا. و"لبنى" لا تريد ان تخدش احاسيسي فتطلب حذاء تعرف انني غير قادر على دفع ثمنه. و"لبنى" في نفسها تتمنى لو انها لم تقل ان كعب حذائها العالي يؤلم ظهرها لانها تعرف ان هذا الكعب العالي سيؤلم ايضا رأسي.
قلت: "نجلس ". و"لبنى" ابتسمت لما خلعت قدميها من الحذاء الذي كعبه عال وقالت: "لماذا تريد ان تسمي البنت. "هاجر"؟!!".
امواج النهر الشفافة صغيرة جدا وتتنطط مثل السمك النطاط..
امواج النهر تجري نحو الشمال. وهو النهر يعيش منذ آلاف الاعوام. منذ ملايين السنين. وفي سنة رأته "سارة " وفيه غسلت ثيابها وبللت قدميها وبعدها ألقت عليه نظرة ثم سافرت الى بلادها البعيدة. و"هاجر" رأته ايضا لكنها القت نفسها فيه وصارت تتقلب. ومياهه غسلتها فجعلتها تبرق. وهي من مياهه شربت. وهي لم تنظر اليه نظرة الوداع وانما جمعت طوب الآرض وعلى ضغته بنت بيتا. اسماء البنات مليون. لكني من الاسماء المليون اعشق اسمين "سارة " و" هاجر" لكن "سارة " لما سافرت الى بلادها البعيدة انجبت يهودا اما "هاجر" فانها ولدت عربا. وانا عربي وملك العالم. قلت:
"أحب هاجر".
لكزتني "لبنى بكوعها في جنبي وقالت: "ولبنى!!".
قلت: "لبنى ام هاجر".
الميدان براح. واعمدة النور الطويلة نهاياتها مشتعلة. والناس كموج النهر تتلاطم. والسيارات تحبو بعيون مضاءة. والسيارات تحبو وكلاكساتها منطلقة. و"لبنى" صورتها الوديعة تطرق باب
عقلي برفق فينفتح الباب وتدخل وتقول: "حقق لي احلامي".
عام انتهى و"لبنى" في بيتي. والآن هي بطنها منتفخ، وعشرة فساتين صغيرة جدا صارت جاهزة للآرتداء. فقط ليس على «هاجر» سوى المجيء. هي تأتي ولها عندي ان اقبلها في الصباح قبلة: وفي الظهيرة قبلة، وقبلة قبل ان تنام، قررت عندما ادخل الشقة ان اسأل "لبنى": "ما هي احلامك لاحققها لك ؟".
***
فرحة بالالم القاسي. وبالتأوهات المكتومة فرحة. وانا في الصالة الضيقة اسمعها، وانا اعصابي تشيط. وانا اقول من بين اسناني: "هاه يا هاجر تعالي بسرعة "."لبنى" تتعذب، لكن صورة الولد أمام عينيها تتراقص وفم الصورة الدقيق يبتسم. وصورة البنت امام عينيها تتراقص وفم الصورة الرقيق يبتسم فتبتسم "لبنى" وهي تتأوه. وتبتسم وجبهتها تتعرق.
"كم انت متعب يا "محمد"، هو لابد "محمد"، الولد مشاكس حتى في ولادته، لو كانت "هاجر" لنزلت بسرعة.
في هذه الليلة الشتاء قلبه جاف وغير رحيم. والسيجارة بين اصبعي ترتعش، والشارع الملتصق بالبيت هادىء. واللمبة "النيون " القديمة تبصق ضوءها باهتا. و"لبنى" كفت عن الصراخ لكن عينيها كانتا تدمعان. "لبنى" عيناها حمراوان وتشهق. ولفافة بيضاء ساكنة جوارها. لفافة بيضاء تحوي شيئا صغيرا جدا. رفعت الى عينيها وقالت: "انظر" واصابعها كانت ترتعش كسيجارتي. واصابعها ازاحت طرف اللفافة عن وجه صغير ابيض. وجه مدور كالقمر، وجه ينير كالقمر، وجه على حوافه سطع لون ازرق كلون مياه النهر الصافية. انا مددت اطراف اصابعي أكس الصدر الضئيل. القلب واقف لا يدق. واللون الازرق - لون مياه النهر الصافية - يفزر الذراع الطري، هو اللون الازرق سيتدفق فيفرق كل هذا الجسد الصغير جدا.
"لبنى" قالت: "هاجر..".
صيف استوائي تفجر جواي.. صيف حار بخر ريقي وجفف حلقي، سحبت اصابعي من فوق صدرها الضئيل - "هاجر" تعشق الاستحمام في النهر - غطيت الوجه المدور بطرف اللفافة واستدرت تجاه باب الغرفة. قالت "لبنى" الى اين ؟". قلت: "اشعر بالظمأ".
"هاجرد" في لخافتها البيضاء موضوعة على طرف السرير و"لبنى" قاعدة تنظر اليها ودمعها ينزل، وانا فرطت وجهي وقلت:
- "يا ستي.. الله كبير.. يعرف هو انني غير قادر على رعايتها لآن "
ولانها لم تتوقف عن البكاء قلت: "كم انا جائع ".
ولانها لم تتوقف عن البكاء اخذت أدندن "فكروني ازاي هو انا نسيك " ادندن والدمعة تعارك عيني. قلت لـ "لبنى":
- "البنت هاجر مثل ابيها مدهشة. هي اميرة كبيرة المقام. رأت الدنيا امارة لا لميق بها فتركتها. هاجر اميرة مدهشة ".
وقلت لـ" لبنى": "ورقيقة مثل امها، رأتني فقيرا فاراحتني من شراء اللعب واراحتني من شراء الملابس. واراحتني من شراء الحلوى".
اللمبة "النيون " المعلقة في جدار الغرفة مازالت تبصق ضوءا ضعيفا. والبرد يتقافز في الدولاب وفي الكوميدينو وتحت السرير ويصفع بشدة اللفافة البيضاء الصغيرة قلت لـ"لبنى": "هيا ننام ". قالت: "واين تنام هاجر؟".
قلت: "سأضعها على الكنبة التي في الصالة ".
همست: "وحدها !! ستخاف ".
قلت: "سأضعها هنا عند الدولاب ".
قالت:"على الارض !!!؟؟".
قلت: "سأضع تحتها وسادة ".
مدت "لبنى" ذراعيها وقالت: "لا.. لا.. الدنيا برد. هاتها هنا في المسافة الصغيرة جدا التي بين جسدينا". وقالت: "لا تنم بعمق فتنقلب عليها وتكتم انفاسهآ".
أرض خضراء شاسعة، وبحر على البعد لا نهاية له، والقطار يجري، قطار عرباته فارغة، فقط انا و"هاجر" في أحدى هذه العربات، و"هاجر" من الشباك تنظر الى الشجر الذي يجري وتضحك، ضحكة "هاجر" جعلت قلبي نط الى اعلى حتى رأسي ونط الى اسفل حتى اصابع قدمي. و"هاجر" رأت قلبي يتنطط فقفزت عليه وامسكته. وانا رأسي دار ولصق على خدها قبلة.
والقطار يجري ومن نوافذه تبدو عصافير وهداها تلاحقا. والقطار يجري ومن تحت عجلاته تطلع الموسيقى، تضحك "هاجر" وتكركر وانا اقذفها الى فوق واكقاها. هي تمسك قلبي وانا اقذفها ثم اتلقاها. اقذفها واتلقاها. وفستانها الاحمر الصفير جدا والجميل جدا اطرافه ترفرف كأجنحة الفراشات. قذفتها مرة أخرى الى فوق وعندما مددت ذراعي لاكتاها رأيتها لا تعود. ورأيتها واقفة في الهواء. ورأيتها تطير ومن شباك القطار خرجت، جريت نحو النافذة، القطار يأكل الارض الخضراء و"هاجر" بين يديها قلبي تطير مع العصافير والهداهد تضحك وتكركر وتكركر وتكركر.

Wednesday, August 29, 2007

أسماك فضية صغيرة


لم يخبر أحداً بما هو مقبل عليه ، إنه يغوص على مسئوليته هذه المرة ، بعيداً عن مهمات غواصة الأبحاث ذات الحوائط الزجاجية الكاشفة التى تتبع المعهد الذى ينتمى إليه ، وبعيداً عن الغطس العادى الذى يمارسه كهواية ، وهو يغوص الآن بلا بذلة مطاطية ولا قناع ولا أنبوب أوكسجين ، يغوص بأدوات أجداده البسيطة التى كانوا يستخدمونها فى استخراج اللؤلؤ ، قبل أن ينبثق النفط ، مجرد مشبك يغلق فتحتى الأنف ، وجسد يخبئ شهقة عميقة من هواء الدنيا يتزود بها فى رحلته تحت الماء ، ثم يطلقها زفيراً مدبراً إلى أقصى حدود التدبير حتى تنتهى الغطسة . لم يضف شيئاً غير نظارة بسيطة ، مما يستخدمه الأطفال وهواة الغوص اليسير ، تجلو له المنظر تحت الماء ، ولأنه توقع أن يكون مجال الرؤية معتماً بفعل غطاء آلاف آلاف الأسماك الميتة الطافية على السطح ، فقد تزود بكشاف قوى الإضاءة يعمل تحت الماء .
«يا خليج .. يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى» ردد شطرة الشعر البعيدة ، من القصيدة التى تناءت فى ذاكرته حتى ظن أنه نسيها للشاعر الذى لم يحب شاعراً مثله . وأخذ يتلمس مقاطع القصيدة بلا صوت وهو يمسح ببصره «جونة الخليج» واربداد الأفق وراءها .. أين ساحة المياه الشفيفة ، الساجية ، التى كانت تريح الأبصار وتهدهد النفوس ، أين تناغم شهبة الرمال وفيروزية الماء وزرقة السماء الخفيفة القريبة من الروح ؟ لم يبصر غير رمادية حاملات الطائرات والبوارج الغريبة التى تحتشد فى قوس الأفق ، تحت سماء مثل رصاص مصهور ، سحب بصره وئيداً ليمسح بالأسى غطاء الأسماك الكميتة التى باتت تغطى مياه الجونة كلها ، موات مقبض ومفزع ، كارثة تتكرر للعام الثالث بفداحة أكثر ، وهو لم يقتنع أبداً بما انتهت إليه التقارير التى زعمت تفسير أسبابها .
خطا بقدميه العاريتين مخوضاً فى مياه الساحل ، وكانت ساخنة ولزجة وسرعان ما صارت ساقاه محاطتين بغطاء من الأسماك الميتة . انحنى واغترف بين كفيه حفنة من هذه الأسماك ، قربها من وجههه ، وأدرك أنها جميعاً من أسماك الميد الصغيرة الرقيقية التى وضح أنها أكثر من تأثر بالجائحة . دائماً ما كان يحب هذه الأسماك البسيطة ، بغزارتها الخصبة ، وتعلقها بالضوء والهواء ، مما حتم عليها أن تعيش فى الطبقات القريبة من سطح مياه الخليج . وهى التكأئة نفسها التى بنوا عليها تفسير أسباب الكارثة . قالوا إنه «المد الأحمر» الناتج من تكاثر الهائمات النباتية ثنائية الهدبيات ذات اللون الأحمر ، بفعل ارتفاع حرارة الماء المفرط تحت شمس الخليج اللاهبة ، وهو ما يجعل المياه ضاربة إلى الحمرة ، ومشحونة بسموم ثنائية الهدبيات التى تميت الأسماك وتصيب البشر بالإسهال والشلل إن أكلوا من هذه الأسماك . لم يقنعه هذا التفسير ، ولم يكن لديه ما يقوله ، فى غيبة البراهين والقرائن .. العلمية ؟! .
أوغل فى المياه حتى وسطه ، وصار مرشوقاً فى غطاء الأسماك الميتة التى أكد قربها من بصره أنها بالفعل من أسماك الميد . شعر بسخونة الماء تصعد على صدره نحو رقبته ، وفكر فى تهافت «التقرير العلمى» الذى شارك فيه «الخبراء الأجانب» فسخونة الماء المعتادة ، والخليج لم يكف عن التلظى بشمس الصيف الحارقة منذ عشرات ومئات السنين ، ولم يظهر الوباء البحرى على هذا النحو أبداً . هناك سبب آخر ، ردد ذلك فى داخله وهو يخرج يديه من تحت الماء ليحكم المشبك حول منخاريه ونظارة الماء حول عينيه . وكانت حقول الميد الميت على سطح الخليج ، ورمادية حاملات الطائرات والبوارج المحتشدة على قوس الأفق ، هى آخر ما رآه قبل أن يغطس .
كانت عتمة ، ولم ير أى ميل إلى الحمرة فى مساقط الضوء المتسلل من الفرج الضئيلة بين تجمعات الأسماك الميتة على السطح . وعندما أشعل ضوء الكشاف لم يجد للماء خضرة ولا زرقة ، بل اعتكاراً رمادياً جعل المرئيات فى مجال بصره وكأنها تظهر عبر زجاج ردىء الشفافية ، لكنه بخبرة الباحث الميدانى المخضرم فى مياه الخليج كان يستطيع أن يحدد ما يراه أمامه : هياج من الأسماك الصغيرة وسط مياه تتقلب فيها جزيئات دقيقة من نفايات رمادية تجعل الماء يبدو كما لو كان يغلى برغم برودته النسبية بعيداً عن السطح . وبالتحديق ملياً فى هذا الهياج ، اكتشف أن هذه الأسماك الصغيرة المضطرمة لم تكن سوى أسماك الميد وهى تهاجم بعضها بعضا فى سعار هو أبعد ما يكون عن السلوك المعتاد لهذه الأسماك الصغيرة الوديعة ، كانت فى حالة افتراس عشوائي متبادل . والأغرب أن حشوداً من هذه الأسماك كانت تنفق من تلقاء نفسها ، ربما بفعل القضمات التى كانت تمتلئ بها فتموت بموازاة موت الأسماك المقضومة .
وبينما كان ينفث آخر زفرة مما اختزنه صدره من هواء ، امتلأت مساحة الماء أمام بصره بفقاعات غيمت الرؤية ، وأحس بارتعاب أن آلاف الكلابات المنمنمة الحادة تمزق ما يستره ، وتنهش جلده العارى .

ألوان اللحظات بدم الفجيعة

تتكسر على رأسى الأيام
كأنها صخرة الأبدية ..!!
وأنا الراكض نحو حتفى ..
بانتظام مفاجئ .. !!
ألون اللحظات بدم الفجيعة ، التى تلتهم كل شىء
من الزبد ، والجنون !!
أيها الشعر يا لعنة ألصقها القدر بدمى
قل لأشباحك التى صادقتنى طويلاً ..
بعواصفها التائهة .. لم يبق إلا الظلال ، ..
وثانيتين نسيتهما على طاولة فى مقهى رومانتيكى
أمام «الفندق الكبير» ü على باب البحر ..!!
إنه فضاء العمر المطل ، وعواء الذئاب ..
التى خربت بهجة الروح !!
أيتها الأصابع التى صرخت من الألم
لم يعد لدى دراهم لأشترى زيتاً
كى أقطر بين مفاصلك لتكتبى
ربما آخر حرف فى ريش الحياة !!

صحف الصباح




ذات يوم قالت لي زوجتي .. قراءة الصحف في الصباح تثير الحنق والغثيان , ورفعت صوتها تتساءل في استنكار أو لا تذكر نصيحة الطبيب.. ألا تقرب صحف الصباح
لا تدري زوجتي أن أمي كانت تعتقد – حينما كنت أبدل أسناني – أنني أختصر الدنيا في قطعة حلوى

Monday, August 27, 2007

السيد المهم



لا أدري لما يرميني ذلك الأحمق بتلك النظرات المتعالية ؟ هل تذكرني .. مثلما أذكره ؟

كان يجيد فن التزلف .. لونه الباهت ساعده كثيرا في إتقان التحول والتجول بين كل الحبال


تعجبت من نفسي كيف لها لم تتعجب عندما رأته يتقدم السباق برابطة عنقه الرقطاء وحذائه اللامع

21/8/2007

Saturday, August 25, 2007

أحلام تفتقد اللون



مرتبكة هي أحلامي
وأنا صغير كنت اصنع من البوص طائرة ورقية ذات ذيل ملون وورق ملون , كنت اذهب للأرض الفضاء بجوار الفاخورة أو اصعد إلى سطح البيت وأرخي لها الخيط فتحلق في الفضاء وتحلق معها أحلامي
كنت احلم أن أصير طيارا .. يوما ما سأكون طيارا والقي من طائرتي فوق بيتنا زهرة ملونة لأمي
يوما ما سأكون طيارا حتما سأصير طيارا.

***

مرتبكة هي أحلامي
عندما تخرجت من الجامعة مهندسا فرحت أمي – رحمها الله – لمنتهى الفرح , مهندسا صرت أنا أبني من البيوت طوابق طابقا فوق طابق فتحلق في الفضاء ولا تحلق معها أحلامي .
احلم لو أني طفلا صغيرا أنزل طائرتي الورقية من الفضاء ألملم ذيلها الملون و أعود لبيتنا أرتمي في حضن أمي أنام في حضن أمي وأحلم أني صرت طيارا أطير فوق حقول من الزهور الملونة وأصحو من الحلم وأنا مازلت في حضن أمي.


24/8/2007

Friday, August 24, 2007

من حكايات للأمير حتى ينام


من الذاكرةمن
"حكايات للأميرحتي ينام"يحيي الطاهر عبدالله
بعد الثناء عليك أميري والصلاة علي النبي -لله الحمد علي هذه الخاتمة الحسنة: فها هي ذي العربة قادمة من البعيد بستائر زرقاء مسدلة.. وقد داست بعجلاتها فوق بشر وشجر وحيوان وطير داجن وهدمت بيوت النمل ووقفت أمام البوابة وهبط منها الرجال الأقوياء الصالحون لكل شيء.. رفع الكونت قبعته الزرقاء بيد. وأشار بيد ممسكة بالغليون للكلاب فكفت عن النباح. وبأسي قال الكونت للرجال: كيف جاء الموعد هكذا سريعا. ولم يسمع جوابا. فركب العربة وركب بعده الرجال. وركضت الخيل. وتصاعد الغبار فغطي كل شيء.

تراتيل الصمت والموت



أ- كوبا شاي بلبن
مطر اسود في صباح داكن , زهرتان لونهما اسود على سفرة داكنة, و اربعة اياد - ذات عروق زرقاء نافرة وتجاعيد تسجل احداث السنين - تتحرك لتناول الفطور .... يرتعش حبل الصمت بينهما فقط .. مع رعشة كوبيهما عند رشفهما الشاي باللبن ..
ب - مواء القطة
في الحجرة ذات القبة يجلسان على مقاعد قطيفة سوداء , وبينهما قطة سوداء , يمسك بيده صحيفة تحجب وجهه عنها و وجهها عنه, يدقق في صفحة المنتصف بشغف حيث صور بطلات السباحة , بينما هي تنظر - من خلف النظارة الطبية السميكة - الى الصفحة الاخيرة حيث صورة بطل كمال الاجسام .... يرتعش حبل الصمت بينهما فقط .. مع رعشة مواء القطة السوداء ..
ج- كوب شاي بلبن
على السفرة الداكنة ترقد زهرة سوداء وحيدة , ويدان زرقاوتان تتحركان في بطء لتناول الفطور .... يرتعش حبل الصمت فقط مع رعشة كوبه عند رشفه الشاي باللبن ..
د- صحيفة ممزقة
في ذات الحجرة - ذات القبة - تجلس القطة السوداء على مقعد قطيفة اسود , يختفي المقعد الاخر تحت اشلاء صحيفة ممزقة الكلمات مبعثرة الصور .... يرتعش حبل الصمت .. مع رعشة مواء القطة السوداء فقط ..

Thursday, August 23, 2007

الرحلة


ربطت حبلا مهترء بمسمارين صدئين - احدهما مثبتا بالجدار الشرقي والاخر بالجدار الغربي - ونشرت عليه عمري فبدى احيانا نظيفا .. واحيانا متسخا .. واحيانا كثيرة مهترء .
تمت
ابريل1994
القاهرة

صرخة جيفارا




جيفارا مات
جيفارا مات
اخر خبر فى الراديوهات
وفى الكنايس والجوامع
وفى الحواري والشوارع
وع القهاوي وع البارات
جيفارا مات
واتمد حبل الدردشه والتعليقات
مات المناضل المثال
ياميت خسارة على الرجال
مات الجدع فوق مدفعة
جوه الغابات
جسد نضالة بمصرعه ومن سكات
لا طبالين يفرقعوا
ولا اعلانات
ما رايكم دام عزكم ياانتيكات
يا غرقانين فى المأكولات والملبوسات
يا دافيانين ومولعين الدفايات
يا محفلطين يا ملمعين ياجيمسنات
يا بتوع نضال اخر زمن فى العوامات
ما رايكم دام عزكم جيفارا مات
لاطنطنة ولا شنشنه ولا اعلامات واستعلامات
**
عينى عليه ساعه القضا
من غير رفاقه تودعه
يطلع انينه للفضا يزعق ولا مين يسمعه
يمكن صرخ من الالم من لسعه النار ف الحشا
يمكن ضحك او ابتسم او ارتعش او انتشى
يمكن لفظ اخر نفس كلمه وادع
لجل الجياع
يمكن وصيه للى حاضنين القضيه فى الصراع
صور كتير ملو الخيال
والف مليون احتمال
لكن اكيد اكيد اكيد ولاجدال
جيفارا مات
موتة رجال
ياشغالين ومحرومين
يا مسلسلين رجلين وراس
خلاص خلاص
مالكوش خلاص غير بالبنادق والرصاص
دا منطق العصر السعيد
عصر الزنوج والامريكان
الكلمه للنار والحديد
والعدل اخرس او جبان
صرخه جيفار يا عبيد في اى موطن او مكان
مافيش بديل مافيش مناص
يا تجهزوا جيش الخلاص
يا تقولوا على العالم خلاص

طاب صباحك


ذات صباح يحمل فوق صدره جبال الغيم الرمادية كنت أتثاؤب وأنا ممسك بفنجان القهوة – رائحة الهيل تنعش ذاكرة الأيام – ارتشف رشفة من فنجان القهوة واختلس نظرة على الشارع من خلف النافذة .. زجاج النافذة يتصبب عرقا والقليل من العربات المارة يصدر بعض الضجيج العربات المارة تخلف ورائها موجات من ماء المطر يغسل رصيف الطريق وجذوع الشجر.رنين هاتفي يتحالف مع ضوضاء السيارة المارة عبر الطريق ويغتالان سويا صمت اللحظات .. ألتقط السماعة في لامبالاة .. تحتقن الحنجرة بحروف " ألو " فتخرج مقطعة الأوصال.
***
عبر الهاتف جائني صوتها ضعيفا كان وخجولا يتخبيء عبر ثنايا الأثير.قالت - وبصعوبة سمعتها - أو تذكر تلك الشجرة حيث كنا نلتقي نتبادل حديثا يمس القلوب .أو تذكر تلك الشجرة وبوحك لها عنا كنت عادة تبدأ وتختم بوحك لها قائلا أنا العاشق فليسمعني الحجر و ورق الشجر.أيا أيها العاشق طب نفسا فما عادت تلك الشجرة مكانها وما عاد هناك بعد شاهدا على كذبك.
أيا أيها العاشق طاب صباحك.
تمت

تحية الى البارع لحدود المنتهى يحي الطاهر عبدالله


الشجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر ة
حدثت نفسي بصوت خافت يحبه ضميري...والسماء ذات الصدع ..... لقد خالف امرا .... مما لاشك فيه أنه خالف أمرا ــ لهذا امسكت الشرطة به هو صديقي و\انا \احبه ا لكني ما خالفت أمرا قط ...قط... """"قط والله امرا ما خالفت ـ فلماذا لا يأخذ هو نفسه بما آخذ أنا نفسي به ?لماذا يارب السموات ثم انه لا يجب ان يراني حتي لا يدعي انه أنه رآني .... وما من أحد من المارة ــ وهم قلة ــ يعرف علاقتي به حتي يأخذني بلوم ... ما من أحد يجرؤ .... كما ان اليوم راحتي ولي صديقة تنتظرني ــ هناك بالحديقة تحت الشجرة .... يالها من شجرة ساقها املس صعب علي الانسان أن يعتليه ...صعب ....صعب جذورها الواضحة فوق الارض تسعي طالبة لماء العين البعيدة ................لحاها أبيض ناصع البياض ...... أوراقها الخضراء تلمع كأنها اجنحة الطير ترف تحت الشمس******* ********** ******** ******ها هي ... ها أنا .... ها هو العالم ................. وها هي الشجرة يا للسنوات .قالت .. كنت هناك ... كنت بالشارع يوم كنت هناك ... يوم أمسكوا بك ... لم أجرؤ .... يا للسنواتقلت ...... كنت هناك كنت بالشارع يوم كان هناك ..يوم امسكوا به .... لم أجرؤ ... وكنت اظن أنك هنا وكنت انت هناك .. ياللسنواتقالت ..... يالك من ولد طيب .. يالنا من أطفال مساكين قلت ... يلك من فتاة طيبة ..... يالنا من أطفال مساكين( قلبي وقلبها مازالا محفورين علي ساق الشجرة بأسمينا )قالت ... أذكر يوم أعطتنا ما يعطيه ثدي الام .. لبنا ناصع البياض .قلت ... أذكر كان دمعا ولم يكن لبنا ناصع البياض صرخت وضربت الارض بقدميها .. كان لبنا ناصع البياض لا تجزم هل ذقت طعمهوخلعت نعليها ومدت يدها صغيرة مبلوله ترتعش و كنا نطوف حول الشجرة قالت ........ ولكن هل يعرف الشجر الآمومة مثلنا نحن البشر ???قلت .. للبن طعم ... والدموع مالحة .قالت .. ولكنك لم تجرب وقالت لا انا ولا أنت نجرؤ وقالت .... يالها من شجرهفصرخت ....نعم يالها من شجرة ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم / يحي الطاهر عبدالله